سورة الشورى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}
قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما {حم سق} {كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ} أي مثل ذلك الوحي. أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل {مِن قَبْلِكَ الله} يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور، وأوحاه من قبلك إلى رسله، على معنى: أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية، لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده من الأوّلين والآخرين، ولم يقل: أوحي إليك؛ ولكن على لفظ المضارع، ليدل على أن إيحاء مثله عادته. وقرئ {يوحى إليك} على البناء للمفعول.
فإن قلت: فما رافع اسم الله على هذه القراءة؟ قلت: ما دلّ عليه يوحي، كأن قائلاً قال: من الموحى؟ فقيل: الله، كقراءة السلمى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} [الأنعام: 137] على البناء للمفعول ورفع شركاؤهم، على معنى: زينه لهم شركاؤهم.
فإن قلت: فما رافعه فيمن قرأ نوحى بالنون؟ قلت: يرتفع بالابتداء. والعزيز وما بعده: أخبار، أو العزيز الحكيم: صفتان؛ والظرف خبر. قرئ {تكاد} بالتاء والياء. وينفطرن، ويتفطرن. وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة {تتفطرن} بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روى في نوادر ابن الأعرابي: الإبل تشممن. ومعناه: يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه مجيئه بعد العلي العظيم. وقيل: من دعائهم له ولداً، كقوله تعالى: {تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90].
فإن قلت: لم قال: {مِن فَوْقِهِنَّ}؟ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة: فوق السموات، وهي: العرش، والكرسي، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال: {يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ} أي يبتدئ الانفطار من جهتهنّ الفوقانية. أو: لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السموات، فكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهنّ، ونظيره في المبالغة قوله عزّ وعلا {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ الحميم يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} [الحج: 19- 20] فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة. وقيل: من فوقهنّ: من فوق الأرضين.
فإن قلت: كيف صح أن يستغفروا لمن في الأرض وفيهم الكفار أعداء الله؟ وقد قال الله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملئكة} [البقرة: 161] فكيف يكونون لاعنين مستغفرين لهم؟ قلت: قوله: {لِمَن فِي الارض} يدل على جنس أهل الأرض، وهذه الجنسية قائمة في كلهم وفي بعضهم؛ فيجوز أن يراد به هذا وهذا.
وقد دل الدليل على أن الملائكة لا يستغفرون إلا لأولياء الله وهم المؤمنون، فما أراد الله إلا إياهم. ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة المؤمن: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} [غافر: 7] وحكايته عنهم {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] كيف وصفوا المستغفر لهم بما يستوجب به الاستغفار فما تركوا للذين لم يتوبوا من المصدقين طمعاً في استغفارهم، فكيف للكفرة. ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار: طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والارض أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41] إلى أن قال: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] والمراد: الحلم عنهم وأن لا يعالجهم بالانتقام فيكون عاماً.
فإن قلت: قد فسرت قوله تعالى: {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ} بتفسيرين. فما وجه طباق ما بعده لهما؟ قلت: أما على أحدهما فكأنه قيل: تكاد السموات ينفطرن هيبة من جلاله واحتشاماً من كبريائه، والملائكة الذين هم ملء السبع الطباق وحافون حول العرش صفوفاً بعد صفوف يداومون- خضوعاً لعظمته- على عبادته وتسبيحه وتحميده، ويستغفرون لمن في الأرض خوفاً عليهم من سطواته. وأما على الثاني فكأنه قيل: يكدن ينفطرن من إقدام أهل الشرك على تلك الكلمة الشنعاء، والملائكة يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات التي يضيفها إليه الجاهلون به، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه التي علم أنهم عندها يستعصمون، مختارين غير ملجئين، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرؤوا من تلك الكلمة ومن أهلها. أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب مع وجود ذلك فيهم، لما عرفوا في ذلك من المصالح، وحرصاً على نجاة الخلق، وطمعاً في توبة الكفار والفساق منهم.


{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}
{والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} جعلوا له شركاء وأنداداً {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} رقيبت على أحوالهم وأعمالهم وأعمالهم لا يفوته منها شيء وهو محاسبهم عليها ومعاقبهم لا رقيب عليهم إلا هو وحده {وَمَا أَنتَ} يا محمد بموكل بهم ولا مفوض إليك أمرهم ولا قسرهم على الإيمان. إنما أنت منذر فحسب.


{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}
ومثل ذلك {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وذلك إشارة إلى معنى الآية قبلها: من أنّ الله تعالى هو الرقيب عليهم، وما أنت برقيب عليهم، ولكن نذير لهم؛ لأنّ هذا المعنى كرره الله في كتابه في مواضع جمة، والكاف مفعول به لأوحينا. و{قُرْءاناً عَرَبِيّاً} حال من المفعول به، أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بين، لا لبس فيه عليك، لتفهم ما يقال لك، ولا تتجاوز حدّ الإنذار. ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر أوحينا، أي: ومثل ذلك الإيحاء البين المفهم أوحينا إليك قرآناً عربياً بلسانك {لّتُنذِرَ} يقال: أنذرته كذا وأنذرته بكذا. وقد عدى الأوّل، أعني: لتنذر أمّ القرى، إلى المفعول الأول والثاني وهو قوله وتنذر يوم الجمع إلى المفعول الثاني {أُمَّ القرى} أهل أمّ القرى كقوله تعالى: {واسئل القرية} [يوسف: 82]. {وَمَنْ حَوْلَهَا} من العرب. وقرئ {لينذر} بالياء والفعل للقرآن {يَوْمَ الجمع} يوم القيامة، لأنّ الخلائق تجمع فيه. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع} [التغابن: 9] وقيل: يجمع بين الأرواح والأجساد. وقيل: يجمع بين كل عامل وعمله. و{لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض لا محل له. قرئ {فريق} وفريق؛ بالرفع والنصب، فالرفع على: منهم فريق، ومنهم فريق. والضمير للمجموعين؛ لأن المعنى: يوم جمع الخلائق. والنصب على الحال منهم، أي: متفرّقين، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14].
فإن قلت: كيف يكونون مجموعين متفرّقين في حالة واحدة؟ قلت: هم مجموعون في ذلك اليوم مع افتراقهم في داري البؤس والنعيم، كما يجتمع الناس يوم الجمعة متفرّقين في مسجدين. وإن أريد بالجمع: جمعهم في الموقف، فالتفرّق على معنى مشارفتهم للتفرّق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8